ÇÓã ÇáãÞÇáÉ:
فتح مكة في القرآن دلالات وإشارات
ÇáãÄáÝ:
د. محمد داود
فتح مكـة فى القرآن
دلالات وبشارات
د.
محمد داود
dr.mohameddawood@yahoo.com
من
الأحداث الخالدة فى تاريخ الدعوة الإسلامية وفى تاريخ نبى الإسلام سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم والتى كانت فى رمضان شهر الخيرات والبركات: فتح مكة. وهو حدث فياض
بالدلالات والدروس التى تشتد إليها حاجة الأمة فى واقعها المعاصر، ومن أبرز هذه
الدروس سماحة الإسلام، حيث يظهر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين امتلك
زمام الموقف وتسَّيد بقوةٍ لا تُرد ووقف أهل مكة بعجزهم يؤرقهم الخوف من عاقبة ما
صنعوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه من إيذاء وطغيان جاوز كل حد، ولما رأى
النبى صلى الله عليه وسلم على وجوههم هذا الخوف والقلق قال لهم: ما تظنون أنى فاعلٌ
بكم؟! فأجابوا: أخً كريم وابن أخ كريم، فقال صلى الله علسيه وسلم: اذهبوا فأنتم
الطلقاء. ليؤكد للدنيا أن الإسلام هو الأكثر سماحة ورحمة، وأن خير أمة أخرجت للناس
إذا ملكت أحسنت فلا تسىء ولا تطغى، وقد سارت الأمة على هدى نبيها صلى الله عليه
وسلم فى تاريخ المواجهات العصيبة بينها وبين أعدائها، فعند فتح القدس كانت الوثيقة
العُمرية التى تؤمن المعابد والكنائس والشيوخ والنساء والأطفال، حتى البيئة تؤمنها
وتحفظها فلا تقطع شجرًا ولا تتلف زرعًا ولا تردم بئرًا ينتفع بـها الناس.
وبعد قرون عديدة فى مواجهة لاهبة أخرى يأتى صلاح الدين فيمتلك ويتسيد
الموقف فيحسن ولا يسىء ويعفو ولا يعاقب، لقد سار على نـهج نبى خير أمة أخرجت للناس،
صاحب الخلق العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى موقفه فى فتح مكة حين قال
لأهلها: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فعفا عنهم وبدَّل خوفهم أمنًا. كيف لا ورسول الله
صلى الله عليه وسلم هو المنقذ للبشرية من ضلالها وفسادها واضطرابـها؟! وهذه حقيقة
أكدها الله تعالى بقوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ
قَيِّمَةٌ} [البينة:1-3]
يضاف إلى ما سبق دلالة أخرى مهمة وهى أن النبى صلى الله عليه وسلم
أعطى أهل مكة مفاتيح الأمن وجعل له أبوابًا آمنة يلجأون إليها فقد قال صلى الله
عليه وسلم: من دخل بيته فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبى سفيان فهو
آمن. إنه صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على حقن الدماء، وكان حريصًا على أهل مكة؛
لأن القتال عنده وسيلة لإحقاق الحق وحماية العقيدة وتحقيق العدالة وردع الطغيان
الباطل وفساد المفسدين.
أيضًا من دلالات فتح مكة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على
حرية الاعتقاد وعدم إكراه الناس على دينه الله عز وجل فقد قال لهم صلى الله عليه
وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، مع تمكنه منهم وقدرته عليهم، وهذا المعنى تؤكده آيات
القرآن الكريم فى سورة النصر، قال تعالى: {إِذَا جَاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ
أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}
[النصر:1-3]. وكلمة (يدخلون) أسندت للناس، بمعنى أن الناس دخلوا طائعين غير مُكرهين
ولا مجبرين، فلم يقل ربنا: وأُدخل الناس فى دين الله أفواجًا، ولكن قال ربنا وقوله
الحق: (يَدْخُلُونَ) نعم يدخلون بإرادتهم ورغبتهم دون إكراه ولا إجبار، لأنـهم رأوا
أنه الدين الحق وأنه الدين الصدق وأن ما كان يتمسكون به من موروث الآباء فى
الجاهلية وهم باطل ظهر فساده {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا
الضَّلالُ} ؟ لذلك دخل الناس فى دين الله أفواجًا.
إن فتح مكة يؤكد أن العاقبة للحق وللخير، وأنه مهما طال أمد الطغيان
والفساد فإن فجر النصر قادم {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى
أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
والله المستعان
|
|